الحمد لله الذي جعل الصيام جُنَّة، ووسيلة إلى التقوى والجنَّة، والصلاة والسلام على حبيبنا ونبينا محمدٍ عبده ورسوله، الداعي إلى خير ملة وأقوم سُنَّة، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه، وبعد:
فها هي سفينة الصالحين تمخر عُباب فتن الدنيا الهادرة، فدونك إياها قبل أن تخترمك دوائر الدنيا الدائرة.
إخواني وإخواتي: لقد مضى من رمضان صدرُه، وانقضى منه شطرُه، وقارب أن يكتمل منه بدرُه، فاغتنموا فرصة تمر مرَّ السحاب، ولِجوا قبل أن يُغلق الباب، اجتهدوا في الطاعة قبل انقضائِه، وأسرعوا بالمتاب قبل انتهائِه.
هذا هو رمضانُ يا أهلَ رمضان واعجبًا له، واعجبًا لأيامه، واعجبًا لساعاته،
شمس تغرب وشمس تُشرق، ساعاته تذهب، وأوقاته تُنهب، وزمانه يُطلب.
يالله تنصف الشهر وانهدم، وفاز من بحبل الله اعتصم، واغتنم الشهر خيرَ مُغتنم.
ياسامعي إنها وقفاتُ محبٍ لإخوانه، مريدٍ لنفسه ولهم اغتنامَ رمضان قبل حرمانه:
الوقفة الأولى: حتى لانصاب بالفتور في رمضان.
نعم مشاهدٌ أن الناس في العادة ينشطون في أيام رمضان الأولى في العبادة، لكن إن هي إلا أيام ليصبح رمضان عند كثيرين رتيبا، وهكذا النفس عجولةٌ ملولةٌ كسولة
فدونك شيئًا من دواء فتورها، وعلاج دائها:
1- استحضر النية أثناء صومك، فأنت تصوم فيجوع بطنُك وتظمأُ كبِدك لله واستجابةً لله، وتلبيةً لأمر الله.
2- تذكر فجر الأجر، فمن تذكر فجر الأجر هان عليه ليل التكليف، إن أجرك «من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ماتقدم من ذنبه» [رواه البخاري ومسلم] إيمانًا واحتسابًا في كل الشهر وليس في أوله أو آخره فقط.
تذكر أن باب الريان في الجنة ينتظرك، أفلا تحب الدخول منه، جعلنا الله وإياك ممن يزاحم على بابه، يقول حبيبك -صلى الله عليه وسلم- في باب الجنة: «ما بين مصراعين من مصاريع الجنة مسيرة أربعين سنة، وليأتين عليها يوم وهو كظيظ من الزحام» [رواه مسلم].
إذا ما ضعفت نفسك عن القيام في هذه الليالي أو استثقلته، فتذكر خبر نبيك -صلى الله عليه وسلم-: «ولله عتقاء من النار وذلك في كل ليلة» [صححه الألباني].
فأرِ اللهَ من قيامك خيرا علَّك تكون عتيقه الليلة أو التي بعدها.
3- نوِّع العبادة في أيام هذا الشهر صيام، قيام، تلاوة قرآن، إطعام، إنفاق، بر، صلة، وأبواب الخير كثيرة.
4- حاسب نفسك على مضي هذه الأيام والليالي، وتفقد أمرك في تلك الساعات الغوالي، وانظر ماقدمت في أيامها الخوالي.
5- تذكر أن رمضان إذا ارتحل فلن يعود إلا بعد أحدَ عشرَ شهرًا، وهل يعود عليك وأنت فوق الأرض حيًا أم في باطنها ميتًا؟ وهل يعود عليك صحيحًا أو مريضًا؟ كل ذا علمه عند الله، فالفرصةُ الآن بساحتك فلا تضيعها.
الوقفة الثانية: ربك يريد منك قرضا.
نعم يستقرضُك وهو غنيٌ عنك، قال -سبحانه-: {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [البقرة: 245]، إنها الظل في يوم الكروب والشدائد، صح عنه -صلى الله عليه وسلم-: «كل امرئ في ظل صدقته، حتى يقضى بين الناس» [صححه الألباني في صحيح الجامع].
إنها عاريةُ الله أعارك إياها لينظرَ شأنَك فيها:
الله أعطاك فابذل من عطيته *** فالمال عاريةٌ والعمرُ رحال
عرف ذلك السلف حقا، فبذلوا إيمانًا وصدقا، أمُ المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- يبعث لها ابن الزبير -رضي الله عنه- بثمانين ومائة ألف درهم فتقسمها في يومٍ واحد وهي صائمة، نست نفسها فما تركت منها شيئًا تفطر به.
وهذا أنس بن سيرين -رحمه الله- يفطر كل ليلة في رمضان خمسمائة نفس.
هذا شهر الجود يا أهل الجود، اكفِل يتيمًا، احفِر بئرًا، فطر صائمًا، أطعم جائعًا، اكسُ عاريًا، تلمس فقيرًا، إياك وأنت تجد سعة أن تكون من ذلك محروما {هَا أَنْتُمْ هَؤُلاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ} [محمد: 38].
الوقفة الثالثة: ساعةُ استجابةٍ ضائعة.
إي والله ضائعةٌ عند كثيرٍ من الناس، ألا وهي: ساعة السحر، ساعة النزول الإلهي العظيم إلى السماء الدنيا، لينادي العباد: «هل من سائل فأعطيه؟ هل من مستغفر فأغفر له؟ هل من تائب فأتوب عليه؟» [صححه الألباني] إنها ساعة الاستغفار {وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ} [آل عمران: 17] كثيرون هم الذين حرموا أنفسهم منها حتى في رمضان.
هبات الوهاب تمنح، وعطاياه تطرح، وهو في سبات عميق، أو في سهر على محرم، أو في ضياع وقت وتفريط.
والسُحور سنة تركها بعض الناس اليوم أو قدموها قبل الفجر بساعات، ويسمونه سَحورا وهو ليس بذلك، فسنة المصطفى -صلى الله عليه وسلم- في السُحور هو ماكان قبيل آذان الفجر، وقد أوصى -صلى الله عيله وسلم- بأكلة السحر بألا ندعها «فإن الله -عز وجل- وملائكته يصلون على المتسحرين»، [المحدث: الألباني، حسن لغيره].
الوقفة الرابعة: احذر لصوص رمضان.
ما أقبحهم وما أجرمهم!! إنهم سراق رمضان!! تكاد صدورهم تتميز غيظًا وحنقًا يوم أن رأوا قوافل التائبين في رمضان، فأجلبوا بخيلهم ورجلهم عبر الفضائيات في برامج فيها من المحرمات والفتن والشهوات مايؤز إلى الحرام أزا، ويدعوا إلى المآثم دعا.
نعم سرقوا من كثير من الصائمين القائمين روعةَ رمضان، ولذةَ رمضان،
والعتب كلُّ العتب على من رضي لهولاء اللصوص أن يسرقوا منه رمضان،
فحُقَّ منهم الفرار، ووجب من فتنهم الحذار، وفيما وقفت وإياك سقت لك البشر والنِذار، رزقني الله وإياك الذكرى والادكار، والجنة دار القرار.
كتبه: فيصل بن عبد الرحمن الشدي
المحاضر في جامعة الخرج
إمام وخطيب جامع العز بن عبدالسلام بمحافظة الخرج
alshdi3@gmail.com
فها هي سفينة الصالحين تمخر عُباب فتن الدنيا الهادرة، فدونك إياها قبل أن تخترمك دوائر الدنيا الدائرة.
إخواني وإخواتي: لقد مضى من رمضان صدرُه، وانقضى منه شطرُه، وقارب أن يكتمل منه بدرُه، فاغتنموا فرصة تمر مرَّ السحاب، ولِجوا قبل أن يُغلق الباب، اجتهدوا في الطاعة قبل انقضائِه، وأسرعوا بالمتاب قبل انتهائِه.
هذا هو رمضانُ يا أهلَ رمضان واعجبًا له، واعجبًا لأيامه، واعجبًا لساعاته،
شمس تغرب وشمس تُشرق، ساعاته تذهب، وأوقاته تُنهب، وزمانه يُطلب.
يالله تنصف الشهر وانهدم، وفاز من بحبل الله اعتصم، واغتنم الشهر خيرَ مُغتنم.
ياسامعي إنها وقفاتُ محبٍ لإخوانه، مريدٍ لنفسه ولهم اغتنامَ رمضان قبل حرمانه:
الوقفة الأولى: حتى لانصاب بالفتور في رمضان.
نعم مشاهدٌ أن الناس في العادة ينشطون في أيام رمضان الأولى في العبادة، لكن إن هي إلا أيام ليصبح رمضان عند كثيرين رتيبا، وهكذا النفس عجولةٌ ملولةٌ كسولة
فدونك شيئًا من دواء فتورها، وعلاج دائها:
1- استحضر النية أثناء صومك، فأنت تصوم فيجوع بطنُك وتظمأُ كبِدك لله واستجابةً لله، وتلبيةً لأمر الله.
2- تذكر فجر الأجر، فمن تذكر فجر الأجر هان عليه ليل التكليف، إن أجرك «من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ماتقدم من ذنبه» [رواه البخاري ومسلم] إيمانًا واحتسابًا في كل الشهر وليس في أوله أو آخره فقط.
تذكر أن باب الريان في الجنة ينتظرك، أفلا تحب الدخول منه، جعلنا الله وإياك ممن يزاحم على بابه، يقول حبيبك -صلى الله عليه وسلم- في باب الجنة: «ما بين مصراعين من مصاريع الجنة مسيرة أربعين سنة، وليأتين عليها يوم وهو كظيظ من الزحام» [رواه مسلم].
إذا ما ضعفت نفسك عن القيام في هذه الليالي أو استثقلته، فتذكر خبر نبيك -صلى الله عليه وسلم-: «ولله عتقاء من النار وذلك في كل ليلة» [صححه الألباني].
فأرِ اللهَ من قيامك خيرا علَّك تكون عتيقه الليلة أو التي بعدها.
3- نوِّع العبادة في أيام هذا الشهر صيام، قيام، تلاوة قرآن، إطعام، إنفاق، بر، صلة، وأبواب الخير كثيرة.
4- حاسب نفسك على مضي هذه الأيام والليالي، وتفقد أمرك في تلك الساعات الغوالي، وانظر ماقدمت في أيامها الخوالي.
5- تذكر أن رمضان إذا ارتحل فلن يعود إلا بعد أحدَ عشرَ شهرًا، وهل يعود عليك وأنت فوق الأرض حيًا أم في باطنها ميتًا؟ وهل يعود عليك صحيحًا أو مريضًا؟ كل ذا علمه عند الله، فالفرصةُ الآن بساحتك فلا تضيعها.
الوقفة الثانية: ربك يريد منك قرضا.
نعم يستقرضُك وهو غنيٌ عنك، قال -سبحانه-: {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [البقرة: 245]، إنها الظل في يوم الكروب والشدائد، صح عنه -صلى الله عليه وسلم-: «كل امرئ في ظل صدقته، حتى يقضى بين الناس» [صححه الألباني في صحيح الجامع].
إنها عاريةُ الله أعارك إياها لينظرَ شأنَك فيها:
الله أعطاك فابذل من عطيته *** فالمال عاريةٌ والعمرُ رحال
عرف ذلك السلف حقا، فبذلوا إيمانًا وصدقا، أمُ المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- يبعث لها ابن الزبير -رضي الله عنه- بثمانين ومائة ألف درهم فتقسمها في يومٍ واحد وهي صائمة، نست نفسها فما تركت منها شيئًا تفطر به.
وهذا أنس بن سيرين -رحمه الله- يفطر كل ليلة في رمضان خمسمائة نفس.
هذا شهر الجود يا أهل الجود، اكفِل يتيمًا، احفِر بئرًا، فطر صائمًا، أطعم جائعًا، اكسُ عاريًا، تلمس فقيرًا، إياك وأنت تجد سعة أن تكون من ذلك محروما {هَا أَنْتُمْ هَؤُلاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ} [محمد: 38].
الوقفة الثالثة: ساعةُ استجابةٍ ضائعة.
إي والله ضائعةٌ عند كثيرٍ من الناس، ألا وهي: ساعة السحر، ساعة النزول الإلهي العظيم إلى السماء الدنيا، لينادي العباد: «هل من سائل فأعطيه؟ هل من مستغفر فأغفر له؟ هل من تائب فأتوب عليه؟» [صححه الألباني] إنها ساعة الاستغفار {وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ} [آل عمران: 17] كثيرون هم الذين حرموا أنفسهم منها حتى في رمضان.
هبات الوهاب تمنح، وعطاياه تطرح، وهو في سبات عميق، أو في سهر على محرم، أو في ضياع وقت وتفريط.
والسُحور سنة تركها بعض الناس اليوم أو قدموها قبل الفجر بساعات، ويسمونه سَحورا وهو ليس بذلك، فسنة المصطفى -صلى الله عليه وسلم- في السُحور هو ماكان قبيل آذان الفجر، وقد أوصى -صلى الله عيله وسلم- بأكلة السحر بألا ندعها «فإن الله -عز وجل- وملائكته يصلون على المتسحرين»، [المحدث: الألباني، حسن لغيره].
الوقفة الرابعة: احذر لصوص رمضان.
ما أقبحهم وما أجرمهم!! إنهم سراق رمضان!! تكاد صدورهم تتميز غيظًا وحنقًا يوم أن رأوا قوافل التائبين في رمضان، فأجلبوا بخيلهم ورجلهم عبر الفضائيات في برامج فيها من المحرمات والفتن والشهوات مايؤز إلى الحرام أزا، ويدعوا إلى المآثم دعا.
نعم سرقوا من كثير من الصائمين القائمين روعةَ رمضان، ولذةَ رمضان،
والعتب كلُّ العتب على من رضي لهولاء اللصوص أن يسرقوا منه رمضان،
فحُقَّ منهم الفرار، ووجب من فتنهم الحذار، وفيما وقفت وإياك سقت لك البشر والنِذار، رزقني الله وإياك الذكرى والادكار، والجنة دار القرار.
كتبه: فيصل بن عبد الرحمن الشدي
المحاضر في جامعة الخرج
إمام وخطيب جامع العز بن عبدالسلام بمحافظة الخرج
alshdi3@gmail.com
2 تعليقات
من هـم أصحاب الجنـة؟؟ قال تعالى: { والذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون } [البقرة: 82] اللهم أنا نسألك الجنة ونعوذ بك من النار
شكرا
التعبيراتالتعبيرات